الاثنين، 3 سبتمبر 2012

مرآة وجه أمي

 – مقطع من المجموعة القصصية " أبي...ليس له انياب "



بلغت العشرين، قالت أمي: الرجال لا يشبهون أباك. الرجل ستر المرأة. هكذا علمتني فآمنت.
أبي لم يكف عن ضرب أمي، ولم يكف عن الصراخ. كبرت يومًا بعد يوم على نفس المشهد، طرحة الصباح وطرحة المساء، زعيق وصراخ وسبٌّ وشتم ورائحة الحانة هي نفسها. أمي صحراء قاحلة. أمي لم تكن صامتة، كانت تلعن في سرها وتبكي على صدري. أمي ألن تكفي عن البكاء؟ ألن تصرخي في وجهه؟ إنك تخنقينني. أمي تقول بأني   لا أفهم شيئًا. أمي تسدُّ فمي بشهقتها المستسلمة. أمي جعلت مني خرقة بالية تجفف بها جراحها، تضغط على صدري كي لا أصرخ، وإن صرخت؟؟ لم أحاول يومًا. كنت فقط أسمع وأتفرج، ثم أدوِّن كل شيء على سطح البيت. أمي تقول: السطح بارد، انزلي وإلاّ ستمرضين. السطح دافئ أمي، أكثر من برودة البيت. سطح جيراننا الجدد لهيب يحرقني، عيون أحمد الذي في  السطح تقتلني، ولفائف التبغ التي تحترق على شفتيه آاااه، لما هذا الشغف بالسطوح؟ هذا ما أنا عليه، وإن لم يرق لك الوضع فالشارع أعرض من هذا البيت، سمعت أبي يقول ذلك. علمت بأن فوضى أخرى قادمة، وليل طويل آخر لا ينتهي. أحمد جنون آخر، يعشق السطح والشمعة وحيائي. أحمد يقترب من سور السطح ليهمس لي بالكلام. أحمد يكتب الكلام فقط، ولا أسمعه. أبي يُكسِّرُ الأواني وأثاث البيت. أبي يُعيِّر أمي بالقحبة المتعفنة، ولأول مرة أمي تلوك شذرات من أغنية رديئة. أمي بدون كلمات وبدون لحن أيضًا. أحمد يقترب وقلبي يزداد خفقانًا. أحمد حطم السور وأشعل السيجارة الرابعة. أحمد بطلي أمي. أحمد قفز السور لأجلي. بطلي يجيد الرّقص والهمس والضّغط على الشفاه. أرجوك أبي أن تستمر في الغناء عاليًا كي أسمع همس أحمد. أصرخ عاليًا لأغتال السيجارة الرابعة لأحمد. أصرخ عاليًا لأنتشي من حلاوة شفتيه. أصرخ ليمسح أحمد البرد عن أضلعي. أصرخ عاليًا فحياة أخرى قادمة من صراخك. صمت. أبي صفع الباب. أبي حين يخرج يصفع الباب بقوة. الباب يستعرُّ من أبي. أمي لا تفعل. أمي تنثر ضحكاتها التائهة في البيت. تصمت، ثم تبدأ بلوك أغنيتها الرديئة من جديد. وأحمد؟؟؟ مع صفعة الباب طار أحمد. أنا وأحمد لم نكمل السيجارة الرابعة. عاد أحمد إلى سطح الجيران بصمت. نزلت. نزول السلالم عملية قاسية. وصوت أمي شرخ في وتر البيت. أمي تتجاهل الغضب في عيني دائمًا. أمي تتغابى بذكاء. أمي ثلاجة متعفنة. أمي طيف، شرخ، بقايا، أغنية، صنم، دموع، عاهة، خواااااء كل شيء إلاّ أمي. أمي عادة سيئة تعلمتها بالفطرة. أغضب، فتقول: أنت لا تفهمين يا بنت. بل أفهم. أمي، أريد مرآة امرأة لا تتكسر في وجهي، لم أجد وجهًا، أين وجهي؟؟ أين المرآة؟ أمي أرجوك، أريد فقط مرآة امرأة لأقابل حبيبي أحمد.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق