الاثنين، 3 سبتمبر 2012

سيجارة أحمد 
– مقطع من المجموعة القصصية " أبي...ليس له انياب "

علمني أحمد الحب على ضوء شمعة وسيجارة من فمه. علمني كيف تصير برودة السطح ألوانًا زرقاء دافئةهذا ما علمني فآمنت.
أحمد يعتصر النبضات بداخلي كل مساء. أحمد علمني أغنية "الحب يأتي مساء" أحمد ينتشي وأنا أنتهي. و الألوان؟ كل الألوان تتراقص، تلطخ عتمة أخرى قادمة وجسدي يتبع لهاثه بصمت آخر يذكرني بمرآة أمي. يبدأ فأنتهي، يصرخ فأصمت، يتلون فأتحول إلى عتمة. عتمة. درس الحساب نسيته والواجب الشهري تأخر عن الدفع. اختلاط الأيام والأرقام والشهور عملية مرعبة، لحظة... أكان البارحة خميسًا أم ثلاثاء؟ أظنه كان أحدًا. ثمانية وعشرون  أم عشر أيام؟؟؟ لحظة... أربعة عشر، خمسة عشر، تسعة عشر، عشرون، واحد وعشرون، ثلاثة وعشرون، لا، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة خمسـ...هل يعني عشر أيام مرت؟؟؟ يا إلهي لمَ أجهل فنون الحساب؟ أحمد يلهث دون انقطاع وجسدي تعب من الطرق المتواصل المباح. الأزرق تحول إلى مقبرة وأنا هويت إلى القاع. عتمة. سأنزل إلى الأسفل. أبي استسلم إلى فشله أمام باب الحانة. أمي مازالت تدفن غيظها تحت أغنيتها الرديئة "زدني ألمًا كي أتنفس" أمي تتنفس وأنا ألوكه. تمسح عرق البيت برضوخ وتنتشي... ويضيق البيت. والبيت هوة سحيقة بدون قاع. أخي؟ أخي يشبه أبي كثيرًا. يخلط الألوان لينساها وينسانا. أخي أدمن الشارع وأقراص الفلسفة، وفلسفته نحر الزمن بسكين صدئة. أخي تحول إلى آلة تقتات جوع الشارع ليل نهار. السيجارة في فمه تنسيه صدع البيت. يدخل غرفته ويختفي في صمت. يرسم في سكونه شوارع وأزقة ممزقة. أخي يرسم لي متاهة. أدخلها فأصطدم بالجدار الأول. أدخلها فاصطدم بالجدار الثاني. أدخلها فأصطدم بالجدار الثالث المخنوق على عتبات البيت. وأنا؟ ممزقة أنا بين أوجاع جدران البيت والسطح. أخي لا يخبأ نعاس الصباح باغتيال النوم ليلاً. أخي لا ينام،  يثرثر فقط. أخي ببغاء يكرر جملة واحدة: "بيتنا شرنقة ممزقة على عتبات اليأس". جملة أخي شهيرة بعمق الألوان وسوداوية السطح. جملته بئر عميقة لا يفهمه أحد. لن أفهمها أبدًا. يرددها ويبتسم لي في عتمة. يبتسم وهو يسرد آخر محاضرة تناولها على الشارع الرابع للذاكرة. فلسفة أخي لا تنتهي وعالمه الضيق    لا يتسع أبدًا. يصرخ بأعلى صوته في سره. أسمعه وأتنفس الصعداء. أسمعه و أتكور في جانب الغرفة المنزوي عن صورة أخي. الغرفة أوسع من صراخه الضيق. أخي جثة آدمية فارغة. أخي شبح، مزبلة، شارع، فراغ... كل شيء إلا أخي. أخي لا يقول شيئًا سوى الصراخ ولا ينطق بكلمة.

هناك تعليقان (2):

  1. قرأت المجموعة يسعدني متابعة اعمالك :) حقا اسلوبك ممتع ومبهر

    امنياتي بالتوفيق دائما لكِ

    ويسعدني قراءة المزيد لكِ

    رانيا منسي .. من مصر

    ردحذف
  2. العزيزة رانيا،

    اسعدني مرورك و اعجابك بالنصوص

    دمت صديقة رائعة للمدونة

    تحياتي و تقديري لك

    سناء شدال

    ردحذف