الخميس، 6 سبتمبر 2012

مرآة وجهي
– مقطع من المجموعة القصصية " أبي...ليس له انياب "


قدري أن أخرج للعالم صباحًا. فتحت عيني على ضوء قوي. الضوء الشارد لا يصيب بالعمى، الضوء الذي فتحت عيني عليه كان باردًا كضوء شمعة. بعد ذلك لم أعد أذكر شيئًا. الشعور بالنعاس أمر عادي جدًا. أغمضت عيني ورحت في نوم عميق...
صورتي في المرآة تبدو وكأني أنا. مغبرة قليلاً. مسحت وجه المرآة ونسيت مسح وجهي. تأملت صورتي في المرآة، وجهي صغير ونحيل وبشرة صفراء، عيناي جاحظتان تحدقان فيّ. لا يحدث شيء. لا يتغير شيء. صمت. صمتي هو الآخر لن يغير شيئًا، لأن الأشياء لا تتغير في سكونها حتى أنا. صعودي إلى السطح ونزولي منه إلى التحت هو أيضًا سكون. أنا مثل جدران البيت، مثل السقف، مثل السلالم، مثل النوافذ وأحيانًا كثيرة أصير مائدة أو كأسا وفي مرات عديدة جدًا أصير مرحاضًا يفرغ فيه أهل البيت برازهم، ولم أتغير، بل لم أحاول يومًا استراق النظر من النافذة. صمت.

علمتني مرآة المرحاض المشروخة أن أرسم وجهي وأن أتنفس. علمتني أن أخيط الليل بالنهار. أخيط الفرحة بالوجع. أخيط السقف بالجدار. أخيط الصراخ بالصمت. أخيط البرودة بالنسيان. أخيط البيت بالمزبلة. أخيط السطح بأبي. أخيط النوافذ بالهواء. أخيط الشارع بأخي. أخي أتنفسه. أخي يرسم لي الشارع حلمًا. حلمي لم يتحقق. سأعيد الخياطة مجددًا. أخيط الأرض بالرياح. أخيط الصباح بالموت. أخيط أصابعي بالمطبخ. أخيط الزمن بالوقوف. أخيط أمي... بمَ أخيطها؟ أمي أتركها معلقة بدون خيط. ثم أعود وأخيط الخيط بالإبرة. والألوان أتركها مفتوحة على بياض لا أعرفه وسواد يغمرني حتى النخاع.
... أفتح النافذة. أصوات النافذة تغريني بالخروج. الباب قفله صدئ. صرير الباب مخيف. ثورة أخرى قادمة. بصاق أبي يلطخ وجهي. صراخه لا أسمعه، لأني ببساطة طرشاء. صدأ الباب قابل للانكسار وصرير الخوف قابل للترويض. لمَ لا أشعل الثورة وأهرب؟ الثورة اشتعلت في بطني وانتهيت. سأفتح الباب. أفتح الباب ويستيقظ الصرير، أو أطلب فتح الباب ويكسر وجهي بصفعة؟ أترنح، أهوي وأهرب. ويزحف البيت ورائي. سأهربه هو الآخر معي إلى الشارع. الشارع كبير جدًا سيعلمني الركض. لن أصعد ولن أهبط كما في البيت. سأركض طويلاً ولن أتوه أبدًا. الأزقة والدروب لن تكون لها نهاية كالغرف. والوجوه الغريبة عني ستصير مألوفة كأصابع يدي. الخسارة تقع مرة واحدة كما يرسم لي أخي. سأتعلم أنا أيضًا فلسفة الشارع، وسأصير أنا أيضًا بالونة منتفخة، وسأنفجر؟ على الأقل لن أفعل كما يفعل أخي بسجائره تحت أدراج السلم، أو كما يفعل أبي بكؤوسه من عرق جبين أمي. سأجعل لنفسي حياااا....ما أجمل كلمة حياتي. لم أجرب يومًا أن ألبس حياتي. أتخيلها دائمًا كبيرة على مقاسي، المناكب عريضة جدًا والأكمام طويلة جدًا والطول ليس له نهاية، أو ربما ضيق البيوت تجعلنا نحلم بالشاسعة. ربما ستصير حياتي في الشارع على مقاسي، فأقفز هنا وهناك دون رهبة من السقوط، وسأسرق قفل الباب والصرير المخيف أيضًا... إلى الشارع...
اليوم السادس من الأسبوع الخامس. الثالثة صباحًا من غياب أحمد. الساعة تدق وترغمني على العد الذي أكرهه. أعد دقات الثواني وأعد دقات الدقائق وأعد دقات الساعات، الأولى تذكرني بغياب أحمد والثانية بثورة البيت  والثالثة بانتفاخ بطني المقموعة تحت حزامي. مرت ساعتان على الثالثة صباحًا. من أين سأبدأ العد الآن؟ هل بدءًا من الخروج إلى الشارع أم بدءًا من الانتظار في البيت؟ بقيت دقائق على آذان الفجر. سيعود أبي من صلاته في الحانة، يترك الباب مفتوحًا وستسرع أمي بإدارة القفل. أختبئ أنا قبلها من وراء الباب. مع دخول أبي من الصلاة سأسرع أنا بالخروج للصلاة. صلاتي ستكون ركضًا في الشارع العريض...ركضت طويلاً في الشارع دون توقف. الوقوف يتبعه قفل الباب الذي ينتظرني. سأركض وأركض وأركض...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق